كانت بلاد الهند قديمًا مرجعَ العلماءِ والفضلاء والحُكماءِ في أنحاء العالم، وما زالت قبلةَ الأنظار في العلوم الإسلامية والفنون الدينية، لقد أنْجَبَتْ أرضُ الهندِ عدداً موفوراً من الشَّخْصيَّاتِ البارِزَةِ والعلماءِ النَّابِهينَ الَّذينَ خدمُوا الدِّينَ المَتينَ، وشاركوا بإنجازاتهِم العلميَّةِ في مختلفِ العُلومِ والفُنونِ، وبالأخصِّ: علوم التَّفسيرِ والحديثِ والفِقهِ والأصُولِ والتَّصوفِ واللُّغةِ والأدبِ والنحو والصرف والبلاغة والكلام والمنطق والفلسفة والهيئة والنجوم والهندسة والطب وغيرها من العلوم النقلية والعقلية، وتركوا التراث الضخم الثمين في هذه العلوم باللغة العربية والفارسية الأردية وغير ذلك من اللغات المتداولة في شبه القارة الهندية.
- وجديرٌ بالذِّكر أنَّ اللُّغة الأردِيَّة المتداولة حاليا، واللغة الفارسية التي كانت متداولة قديمًا في بلاد الهند تزخر بكتب التراث الإسلامي ذات الأفكار الرفيعة، فيها جواهرُ قيمةٌ إسلاميةٌ، وكنوزٌ نادرةٌ دينيةٌ، وذخائرُ غاليةٌ علميةٌ، ولكن للأسف الشديد أنها لم تسنح لها أن تنقل إلى العربية أو اللغات الأخرى العالمية إلى الآن ممّا أدَّى إلى حِرمانِ الاستفادةِ بوَفيرٍ من الكنوز المعرفية والعلمية والدينية لكثيرٍ من الناس في العالم، فضلاً عن العرب.
- وكذلك مكتبات الهند الضخمة مملوءة بكتب التراث العربي الإسلامي، ولكن يا للأسف أكثرُها لمْ يَرَ نورَ الطبع والتحقيق منذ تأليفها إلى الآن، وقد سمعنا أسماءَها أو قرأناها في كتب التاريخ فقط، وأمَّا ما طبع في الديار الهندية في سابق الزمان فهو على نهجٍ قديمٍ يصعب على الطلاب الاستفادةُ منه في عصرنا الحاضر.
فاحتاج الأمرُ احتياجًا شديدًا إلى الجانِبَين، ويقتضي الاستعجال فيهما، وهما:
(١) تقديم التراث الأردو والفارسي إلى أنحاء العالم بعد نقله إلى العربية واللغات الأخرى الشهيرة؛ لتعم الاستفادة كما ينبغي.
(٢) تقديم التراث العربي إلى العالَمِ كلِّه، بعد التحقيق بِنَمَطٍ نميق، والتصحيحِ حَسَبَ ما يليق، كما امتدتْ أعناقُ أولي العلم، وازداد اشتياقُ ذوي الفهم في نشره وطبعه بثوبٍ جديدٍ وطرزٍ حديثٍ؛ لتتم به الفائدةُ التامّة.
فمِن بواعثِ الفرحِ والسرورِ أنَّ "مؤسّسة دار المَلِك" قد شعرتْ بِهذه المسؤلية العُظمى، وقامت بحمل هذا العَبءِ الثّقيلِ على كاهلِها النحيف الهزيل، فتوجهتْ إلى هذَين الجانبَين كِليهما، وعزمتْ على طبع ونشر التراث العلمي لعُلماء بلاد الهند من المخطوطات أو المطبوعات، ونقلِه إلى البلادِ المختلفةِ خارج الهند بعد الترجمة والتصحيح والتحقيق والتنقيح والتعليق والتخريج والتهذيب وغير ذلك مما يحتاج إليه الكتاب؛ ليستفيدَ جميعُ المسلمين من تلك الكنوزِ العلمية والدينية والمعرفية والثقافية والأدبية في العالَم كلِّه.
بدأت المُؤسّسة -بإذن الله تعالى- العملَ في هذا الاتّجاه بِصورةٍ منسقةٍ ومنظمةٍ، وهيّأت لذلك لِجانًا علميةً تضمُّ نُخبةً من أهل العلم والفضل المختصين والبارعين في علومٍ متنوِّعةٍ.
اهتمت المؤسسة -بالدرجة الأولى- بكتب سادتنا الحنفية في شبه القارة الهندية خاصة، وفي خارجها عامة. كما هي جعلتِ الترجمةَ وتحقيقَ الكتبِ وطباعتها بِصورةٍ جميلةٍ وتوزيعِها في أكناف العالم في مقدّمةِ أهدافِها الأساسيةِ، فضلاً عن الإصدارات الأخرى العامة.
فالمؤسسة الآن -بحمد الله تعالى- في جهد مستمر لإعداد الكتب وإخراجها إلى حيّز الطباعة والنشر بصورةٍ مُلائمةٍ تليق بِها، وبطرزٍ جديدٍ وِفقًا لابتغاء العصر الحديث، بعد تصحيحها وتحقيقها وتنقيحها وتزيينها؛ لتعم الفائدة.
وفي الختام: نسأل الله تعالى أن يرزق المُؤسسة ارتقاء مستمرًّا، و أن يرزق منشوراتِها النفعَ العامَ والقبولَ الدَّوامَ، وأن يجعل المؤسسة خالصةً لوجهه الكريم، وأمينًا لإيراد كلّ مؤلَّفٍ مِن منشوراتِها كما أراده صاحبُه، وأن يسهل لها الأمور ويدفع الموانع والشرور، ويؤفِّق أعضاءَها ومساعدِيها الاستمرارَ في السلوك على الصراط المستقيم، والثباتَ على خدمة دينه المتين، مزيّنِين بحلى الإخلاص في النية والأعمال، آمين يا رب العالمين بجاه النبي الأمين، عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأكرم التسليم.
View in: العربية (Arabic) English