لقد أنجبت أرض شبه القارة الهندية عددًا كبيرا من الشخصيات الإسلامية الذين احتلوا مكانا مرموقا بين الأوساط العلمية بابتكاراتهم النادرة وإنجازاتهم العلمية. والشخصية التي أنا بصدد الكتابة عنها هي شخصية ذات أهمية، سجلت تاريخا عظيما بايديه في الهند الكبری، وجذبت أنظار الناس إليه بجهوده الإصلاحية والدينية في مشارق الهند ومغاربها، وأدت دورا رياديًا في ترشید الصحوة الإسلامية ونهوض الأمّة الإسلامية، فهي تجدر بأن تكتب عن حياته وتليق بأن تقيد مساعيه وخدماته في الدفاتر حتى يقف الجيل الجديد على حياته الحافلة بالمآثر المشرقة وإنجازاته الغالية.
وهذا المقام لا يسمح لي أن أفصل الكلام عنها؛ فإنّ الصفحات محدودة والوقت ضيق، حيث أنني مرتبط بإتمام رسالتَين جليلتَين في مسألة الشريعة والطريقة لعالم من علماء القرن الرابع عشر الهجري، وهو العلامة الإمام الفقيه المحدث الأصولي الشيخ أحمد رضا خان الحنفي القادري -رحمه الله تعالی-، فأعرض حياته في هذا المقام ببساطة شديدة في بطاقة صغيرة تعرض ملخص حياة الشيخ السيّد نعيم الدين المُراد أبادي -رحمه الله تعالى-، والله ولي التوفيق.
مولده واسمه:
ولد الشيخ نعيم الدين المرادآبادي يوم الاثنين في ٢١/ من صفر المظفر سنة ١٣٠٠هـ، الموافق ١٨٨٣م في مدينة "مُرادْ آباد"، سُمِّيت هذه المدينة باسم المَلِك مُراد ابن الملك الأكبر شاه جهان، ولها أهمية كبيرة من الناحية الصناعية على مستوى الهند.
أسرته:
وجد الشيخ المراد آبادي منذ أن فتح عينيه عناية خاصة به من والده العلامة أستاذ الشعراء محمد معين الدين نُزْهَتْ المُراد آبادي ، وحظي برعاية علمية وأدبية كبيرة من جانبه، وكان جدّه الشيخ السيد محمد أمين الدين "رَاسِخْ" من مشاهير أهل العلم في عصره، فهوعالم ابن عالم وشاعر ابن شاعر.
أسرته كانت متمسكة بالدِّين، ومتحلية بمكارم الأخلاق، ومتسلحة بالعلوم والفنون، ولها سمعة طيبة في مجال العلم والعلماء عبر العصور.
بدأ الشيخ المرادآبادي كعادة أهل عصره في السفر في طلب العلم ولقاء العلماء والاستفادة من المشايخ، فنال حظا وافرا، وبرع في جميع العلوم والمعارف، حتى أصبح على حد أقوال زملائه وأقرانه: لم يكن له نظير في زمانه في العلوم العملية والنظرية وفي مجال الدعوة والإرشاد.
فله جهد مشكور في قضاء الحركات الهندوسية، والدَّعوات الهدامة، وإنقاذ الشعب الإسلامي من الخرافات والضلالات، وتشهد له أقلام المؤرِّخين في عصره.
أساتذته:
(1) شيخ الكل العلّامة السيّد محمد گُل القادري.
(2) والده الكريم الشيخ السیّد محمد معين الدين نزهت.
(3) الشيخ الحافظ السيد نبي حسين.
(4) الشيخ الحافظ حفيظ الله.
(5) فضيلة العلامة أبو الفضل أحمد -رحمهم الله تعالى-.
شيخه في الطريقة:
شيح الكل العلامة السيد محمد گُل القادري -عليه الرحمة والرضوان-.
الخلافة في الطريقة:
نال الشيخ السيد محمد نعيم الدين المُرادآبادي الخلافةَ من مرشده وشيخه العلامة السيد محمد كُل القادري -رحمه الله-، كما تشرّف بخلافة شيخ المشايخ السيّد علي حسين الأشرفي -رحمه الله تعالى-.
مؤلفاته:
(1) خزائن العرفان (تفسير القرآن الكريم باللغة الأردية).
(2) الكلمة العلياء لإعلاء علم المصطفى.
(3) أطيب البيان في ردِّ تقوية الإيمان.
هكذا يبلغ عددها إلى ١٩ مؤلفٍ ما بين صغير وكبير.
أشهر تلامذته:
إنّ "الجامعة النعيمية" التي أسسها الشيخ السيد نعيم الدين المرادآبادي -رحمه الله- تخرجت منها آلاف من العلماء لا يمكن إحصاءهم، فإنّ هذه الجامعة احتلت مكانة مرموقة بين الجامعات والمراكز التعليمية في عصر الشيخ، وصارت المشار إليها في جميع أنحاء الهند، أقبل عليها طلاب العلم وينهلون من منهلها العذب النقي، ويشربون من حوضها المعارف والعلوم، والفضل كله يرجع إلى الشيخ الداعية السيّد محمد نعيم الدين المُرادآبادي؛ فإنني خلال دراستي عنه وجدت الطلاب يتبركون بقربه وهوفي كل هذا لا يزيده قرب الناس إلا تواضعا، ولا يزيده إقبال الطلاب على ساحته العلمية إلا إمعانا في التأليف والتصنيف، وأذكر في هذا المقام المتفوقين، منهم:
(1) الشيخ العلامة المفتي أحمد يارْ خان النعيمي.
(2) تاج العلماء المفتی محمد عمر النعيمي.
(3) مجاهد الملّة العلامة حبيب الرحمن الأُرِيْسوي.
(4) حافظ الملة العلّامة عبد العزيز المحدث المرادآبادي.
(5) المحدث العلامة السيّد أبو البركات القادري.
(6) العلامة السيد أبوالحسنات القادري.
(7) العلامة المفتي محمد حسين النعيمي.
(8) ضیاء الأمّة العلامة محمد کرم شاه الأزهري.
(9) شيخ العلماء العلامة غلام جيلاني الأعظمي.
(10) شمس العلماء القاضي شمس الدين الجونفوري -رضي الله تعالى عنهم-.
الجهود الدعوية والإصلاحية:
إنّ جهود الشيخ الدعوية أجل من أن تنكر، فهی معروفة لدى العامة والخاصة في كل قطر من أقطار الهند، فلمّا بدأت "الحركة الشُّدهية" نشاطا واسعا وشملت الهند بجميع أقطارها فلم يقعد هذا الداعية الإسلامي، بل أنه بدأ يبذل أقصى ما كان في وسعه في القضاء على هذه الحركة، حيث ناظر قوّاد "الحركة الشُّدهية" في جميع أنحاء الهند إلى أن بلغت الحركة في منتهى الضعف، فخابوا وندموا ولم يقدروا على الوصول إلى ما كانوا يهدفونه من تحويل المسلمين في الديانة الهندوسية؛ فإنّه بلاريب كان داعيا واعيا، لم تكن الدسائس الهندوسية مخفية عن عينيه.
وبعد هذه المعارك العلمية وجهوده الإصلاحية ومناظراته علی الساحات الهندوسية فارق هذا الداعية والمفكر حياته الغالية ١٨ من ذي الحجة المكرمة سنة ١٣٦٧هـ الموافق ٢٣ من أكتوبر عام ١٩٤٨م، ودفن في رحاب جامعته في مسقط رأسه بمدينة "مراد آباد"، الهند. قبره معروف يُزار ويتبرك به، رحم الله المراد آبادي ورضي عنه.
وفحوى القول: فإنّه مستحيل أن أحيط بهذه الشخصية الموسوعية في هذه السطور، فما وصفت عنه كان فيضا من فيضه، فإن الإحاطة بهذا الداعية الإسلامي بقاطبة أبعاده تقتضي مني كتابا مستقلا، وبمشيئة الله تعالى وعونه أقوم بإصدار رسالة جليلة له على موضوع "الإسلام والهندوسية في شبه القارة الهندية" في المستقبل القريب، فتتجلى عبقريته فيها بأكمل وأتم وجه.
أسأل الله تعالى أن يجعلني خادما مخلصا لدينه الحنيف.
المصادر والمراجع
(1) حياة صدر الأفاضل، الشيخ غلام معین الدين النعيمي، ط: مکتبة فرید، لاهور، باكستان، ۲۰۰۰م.
(2) صدر الأفاضل شخصية التاريخ الإسلامي، نور محمد القادري، ط: منظمة أفكار صدر الأفاضل، ممبائي، الهند، ١٤٢٢هـ.
(3) الموالات، الشيخ حيدر علي النعيمي، ط: الجامعة النعيمية تلسي فور، الهند، ١٩٩٢م.
كتبه
محمد نور الحسن خان النعيمي الأزهري
الباحث بمرحلة الماجستير، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة
٢٠١٣م / ٢٠١٤م